الدليل التعبدي على ولادة الامام الحجة عليه السلام .
المقدمة الأولى:
ثبوت الإمامة الإلهية، والتي ترتكز على عدة محاور منها: 1ـ أنها بجعل من الله.
2ـ أنها مقام الولاية العامة ‹‹أولى بالمؤمنين من أنفسهم›› ومقام الطاعة المطلقة ﴿وأولي الأمر منكم﴾ ومقام الهداية الخاصة ﴿يهدون بأمرنا﴾ ومقام الوساطة الإلهية ‹‹من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة الجاهلية››.
3ـ انها منحصرة في اهل البيت ، وهذا مفاد حديث الدار والمنزلة والغدير والثقلين وغيرها من الروايات المتواترة .
المقدمة الثانية: انحصار عدد الأئمة في اثني عشر خليفة:
في مسند أحمد: عن مسروق قال كنا جلوساً عند عبد الله بن مسعود و هو يقرئنا القرآن فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن هل سألتم رسول الله (صلى الله عليه وآله) كم يملك هذه الأمة من خليفة؟ فقال عبد الله بن مسعود: ما سألني عنها أحد منذ قدمت من العراق قبلك. ثم قال: نعم، و لقد سألنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: ‹‹اثني عشر كعدة نقباء بني إسرائيل››. راجع مسند أحمد : ج1 ص298.
وفي المستدرك على الصحيحين، عن عون بن جحيفة عن أبيه قال : كنت مع عمي عند النبي صلى الله عليه وآله فقال : لا يزال أمر أمتي صالحاً حتى يمضى اثنا عشر خليفــة ثم قال كلمة ، و خفض بها صـوته فقلت لعمي و كان أمامي ما قال يا عم ؟ قال: قال: يا بني كلهم من قريش .راجع المستدرك : ج3 ص 618.
المقدمة الثالثة: عدم خلو الأرض من حجة . ويدل على ذلك قوله تعالى ﴿يوم ندعوا كل أناس بإمامهم﴾ وقول رسول الله (صلى الله عليه وآله):كما في صحيح مسلم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): ‹‹من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية››. صحيح مسلم : ج6 ص 22.
قال الشيخ مهدي الآصفي ـ حفظه الله ـ في مؤتمر الإمام المهدي: روى الحديث ثقاة المحدّثين من أصحابنا الأمامية وطرقهم إليه كثيرة وطائفة منها صحيحة، وهي في الجملة قريبة من التواتر وقد عقد المجلسي رحمه الله له باباً في بحار الأنوار، روى فيه أربعين حديثا في هذا المعنى بألفاظ متقاربة. بحار الأنوار الجزء 23 ص 76 - 93 تحت عنوان ((من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية)).
ونذكر مثالاً طريقين :
الطريق الأول: رواية البرقي في المحاسن بسند معتبر عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): ‹‹أن الأرض لا تصلح إلاّ بإمام . ومن مات ولم يعرف إمامه مات ميتة جاهلية››. المحاسن للبرقي ص 153 ــ 154 ، بحار الأنوار ج 23 ص 76 . والسند معتبر .
الطريق الثاني : روى الكشي في (( الرجال )) 266 ـ 267 : عن بن احمد عن صفوان عن أبى اليسع قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) حدّثني عن دعائم الإسلام، فقال : ‹‹شهادة أن لا إله إلاّ الله … إلى أن قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسلّم: من مات ولا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية›› .أهـ
أقول: ومما يدل على ذلك من طرقنا روايات متعددة منها ما في علل الصدوق عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: قلت له: تكون الأرض ولا إمام فيها؟ فقال: لا، إذاً لساخت بأهلها. وما فيه ـ أيضاً ـ عن أبي عمارة بن الطيار قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : ‹‹لو لم يبقى في الأرض إلا رجلان لكان أحدهما الحجة››.
المقدمة الرابعة: عدم اجتماع الامامة في أخوين بعد الحسن والحسين (عليهما السلام).
قال (( أحمد الكاتب )): إن القول بـ(( عدم جواز انتقال الإمامة إلى أخوين بعد الحسن والحسين ووجوب استمرارها في الاعقاب)) قول ضعيف ولم يجمع الشيعة الأمامية عليه في ذلك الوقت خلافاً لما ادعى الطوسي بعد ذلك بمأتي عام.
أقول: إن القول بعدم اجتماع الإمامة في أخوين بعد الإمام الحسن والإمام الحسن (عليهما السلام) من القضايا المجمع عليها عند الشيعة قبل الشيخ الطوسي ؛ بل وردت فيها عدة روايات وبطرق صحيحة منها:
1ـ عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن الحسين بن ثوير بن أبي فاختة ، عن أبى عبد الله (عليه السلام) قال: ‹‹لا تعود الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين أبداً، إنما جرت في علي بن الحسين كما قال الله تبارك وتعالى ﴿وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله﴾ فلا تكون بعد علي بن الحسين (عليه السلام) إلا في الاعقاب وأعقاب الاعقاب››. أصول الكافي: ج1ص 345.
2ـ وعن محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن عبد الرحمن بن ابي نجران ، عن سليمان بن جعفر الجعفري ، عن حماد بن عيسى ، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال لا تجتمع الامامة في أخـوين بعد الحسن والحسين إنما هي في الإعقاب وأعقاب الإعقاب. نفس المصدر.
3ـ وعن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أنه سئل أتكــون الإمامة في عم أو خال؟ فقال: ‹‹لا›› ، فقلت ففي أخ؟ قال: ‹‹لا››، قلت ففي من؟ قال: ‹‹في ولدي ، وهو يومئذ لا ولد له››. المصدر ص346.
وقد أكد على هذه الحقيقة قبل الشيخ الطوسي ابو سهل النوبختي راجع إكمال الدين 92 والأشعر ى القمي راجع المقالات ص103 وعلي بن الحسن النوبختي راجع فرق الشيعة ص111 على فرض تغايره عن المقالات .
أقول: ثبوت هذه المقدمات يعبدنا بولادة الإمام المهدي (عليه السلام) ـ وأن الإمام العسكري لم يمت إلا بعد أن رزقه الله ولداً ـ و ذلك لبطلان جميع الأقوال والاحتمالات الأخرى التي يمكن أن تطرح:
أما بطلان القول بعدم ولادته (عليه السلام): فلأنه مخالف لما دل على ضرورة وجود إمامٍ في كل عصر لا يفترق عن كتاب الله، ومخالف ـ أيضا ـ للروايات الدالة على أن الأئمة اثنا عشر.
وأما بطلان القول بثبوت الإمامة في غيره كعمه جعفر: فلأنه مخالف لما دل على انحصار الإمامة في الأعقـاب بعـد الحسن و الحسين (عليهما السلام)، و مخالف ـ أيضاً ـ للروايات التي حددت هوية الأئمة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وأما بطلان احتمال عدم انقطاع سلسلة الأئمة إلى يومنا هذا وإلى يوم القيامة: فلأنه مخالف لما دل على انحصار الأئمة عليهم السلام في اثني عشر إماماً.